كــن على حذر واختر الراية التي تظلك قبل الخروج
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مامن خارج يخرج ــ يعني من بيته ــ إلا بيده رايتان ، راية بيد ملك ، وراية بيد شيطان ، فإن خرج لما يحب الله عز وجل ، تبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته ، وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته))(الامام أحمد وصححه أحمد شاكر 8269).
وهو نص نبوي صريح يدفعنا إلى تجريد النية وتصحيح المقصد وتحديد الوجهة الصحيحة قبل الخروج إلى أي عمل ، فليكن خيارك بدون تردد أو تلكؤ ، أن تظلك راية الملك منذ خروجك من بيتك إلى أن تعود إليه ، وأنت تسير تحت عين الله فتكلؤك رعايته وينالك توفيقه وتتنزل عليك سكينته وتغشاك رحماته ، ولكي يكون ذلك فما عليك إلا أن تجعل عملك وتحركك ونشاطك في سبيل الله ، وأن تسعى جاهدا إلى أن تكون وسيلة الله عز وجل في تنفيذ مايحب على أرضه وفي ملكه سبحانه ، لأنه شرط بشرط فإذا أردت أن يكون الله لك كما تحب فعليك أن تكون كما يحب ، وأن تكون كالغيث أينما كنت ونزلت وذهبت نفعت وأثمرت وأينعت ، وأحذر وأحرص أن لاتخرج من بيتك وأنت تحت راية الشيطان ، بأن يكون مقصدك مدخولا ونيتك مغشوشة وغايتك معلولة ومطامعك مستورة ، فمولاك لاتخفى عليه خافية فهو يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور ، لأن خروجك وأنت تحت راية الشيطان يعني أنك محروم من معية الله وتوفيقه ، ومن ثم تترك إلى شيطانك فيوردك المهالك والمزالق أينما وحيثما حللت أو ذهبت .
فحرر النية مااستطعت ، وتحرر من ربقة النفس الامارة والشيطان الموسوس والهوى الذي يهوي بصاحبه إلى دركات النكوص وحضيض المكابرة ، واجعل الصدق مع الله مطيتك ، وأحرص على إصلاح سريرتك دوما وتخلص من العوالق المفسدة لصفائها المشوشة على نقاوتها لان من أصلح سريرته فاح عبير فضله ، وعبقت القلوب بنشر طيبه ، فاالله الله في السرائر فإنه ماينفع مع فسادها صلاح ظاهر، فإنك إن فعلت ذلك ضمنت البداية الصحيحة ، وانطلقت تحت راية الملك يحالفك التوفيق أينما حططت الرحال ويصل خيرك ومعروفك ويعم وينتشر أينما قصدت وحيثما نزلت ، وإن تكلمت بكلمة وأبديت رأيا وقدمت نصيحة وشاركت بمشورة تكن المسدد دائما إلى الحق والصواب .
فأخذك بهذه الراية وإستظلالك بظلالها وحفاظك على موقعك تحتها وثباتك على ذلك ومغالبتك لكل مامن شأنه أن يبعدك عنها ويصرفها عنك تضمن بإذن الله إشراق النهاية بعد أن ضمنت إشراق البداية، وتطمئن إلى حسن مقامك عند ربك وهو مطلب كل حر مؤمن إختار طريق تحبيب عباده إليه ، وانخرط على طيب خاطر منه في موكب دعوته ، وألزم نفسه أن يكون من صناع الحياة وحملة المشروع ودعاة التمكين ، هذا كله من مستلزمات ضمان المقام الاسمى والمكانة الارفع للمرء عند مولاه كما قال إبن عطاء الله السكندري إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فأنظر فيما أقامك ).
فالميزان الدقيق الذي يحدد نوعية الراية إذا هو ماتقدم عليه من عمل بعد خروجك فإن كان مما يحبه الله كانت الاولى ، وإن كان مما يسخط الله ويغضبه كانت الثانية، فكن على حذر وحدد راية الملك لكي تظلك قبل خروجك من بيتك ولايكن نصيبك الأخرى فتهلك، أعاذنا الله وكل أحبابنا وإخواننا من الهلاك